فصل: فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى أُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَالِفِ:

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَالِفِ أَوْ لَا يَخْرُجُ إذَا قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ أَوْ رَكِبَ دَابَّتِي أَوْ ضَرَبَ عَبْدِي فَفَعَلَ ذَلِكَ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدٌ نَكِرَةٌ وَالْحَالِفُ صَارَ مَعْرِفَةً بِيَاءِ الْإِضَافَةِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مَا يَكُونُ مُتَمَيِّزَ الذَّاتِ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ وَالنَّكِرَةُ مَا لَا يَكُونُ مُتَمَيِّزَ الذَّاتِ عَنْ بَنِي جِنْسِهِ بَلْ يَكُونُ مُسَمَّاهُ شَائِعًا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُتَمَيِّزَ الذَّاتِ وَغَيْرَ مُتَمَيِّزِ الذَّاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إنْ دَخَلَ دَارَك هَذِهِ أَحَدٌ أَوْ لَبِسَ ثَوْبَك أَوْ ضَرَبَ غُلَامَك فَفَعَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ صَارَ مَعْرِفَةً بِكَافِ الْخِطَابِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَإِنْ فَعَلَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ لِانْعِدَامِ مَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مَعْرِفَةً فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ النَّكِرَةِ.
وَلَوْ قَالَ إنْ أَلْبَسْت هَذَا الْقَمِيصَ أَحَدًا فَلَبِسَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْرِفَةً بِتَاءِ الْخِطَابِ وَإِنْ أَلْبَسَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْحَالِفَ حَنِثَ لِأَنَّ الْحَالِفَ نَكِرَةٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ نَكِرَةٍ وَإِنْ قَالَ إنْ مَسَّ هَذَا الرَّأْسَ أَحَدٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَالِفُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ رَأْسَهُ مُتَّصِلٌ بِهِ خِلْقَةً فَكَانَ أَقْوَى مِنْ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمَ غُلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَحَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَ الْحَالِفُ وَهُوَ غُلَامُ الْحَالِفِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَنِثَ وَطَعَنَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذَا فِي الْجَامِعِ.
وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ الْحَلِفَ تَحْتِ اسْمِ الْعَلَمِ وَالْأَعْلَامُ مَعَارِفُ وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَكَذَا عَرَّفَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى أَبِيهِ بِقَوْلِهِ ابْنِ مُحَمَّدٍ فَامْتَنَعَ دُخُولُهُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَعْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَارِفَ لَكِنْ لابد مِنْ سَبْقِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ حَتَّى يُجْعَلَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ سَبْقِ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمَا بِذَلِكَ إمَّا بِتَعَيُّنِ الْمُسَمَّى بِالْعَلَمِ بِاسْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ وَالْعَلَمُ وَاحْتِمَالُ الْمُزَاحَمَةِ ثَابِتٌ وَإِذَا جَازَ اسْتِعْمَالُ الْعَلَمِ فِي مَوْضِعِ النَّكِرَةِ وَقَدْ وُجِدَ هاهنا دَلِيلُ انْصِرَافِ التَّسْمِيَةِ إلَى غَيْرِ الْحَالِفِ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعُرْفِ الظَّاهِرِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ نَفْسَهُ بِاسْمِ الْعَلَمِ بَلْ يُضِيفُ غُلَامَهُ إلَيْهِ بِيَاءِ الْإِضَافَةِ فَيَقُولُ غُلَامِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْسَهُ وَأَنَّهُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْعَلَمِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ الْحَالِفُ عَنْ عُمُومِ هَذِهِ النَّكِرَةِ.

.فَصْلٌ: الْحَلِفُ عَلَى أُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ:

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى أُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَا يَقَعُ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ أَوْ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ مِثْلِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالنِّحْلَة وَالْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً فَاشْتَرَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً أَوْ تِبْرًا أَوْ مَصُوغَ حِلْيَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْحَقِيقَةَ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْعُرْفَ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا أُطْلِقَ لَا يُرَادُ بِهِ الدِّرْهَمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الْعُرْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ اسْمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَكَوْنُهُ مَضْرُوبًا وَمَصُوغًا وَتِبْرًا أَسْمَاءُ أَنْوَاعٍ لَهُ وَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ كَاسْمِ الْآدَمِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فَدَخَلَ تَحْتَ هَذَا الْوَعِيدِ كَأَثَرِ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَهُوَ عَلَى مَضْرُوبِ ذَلِكَ وَتِبْرِهِ سِلَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سِلَاحٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَدِيدًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْحَدِيدِ يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ بَائِعُهُ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا لَا يَحْنَثُ وَبَائِعُ التِّبْرِ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الْحَدِيدِ وَلَهَا اسْمٌ يَخُصُّهَا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَدِيدَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْمَعْمُولَ وَغَيْرَ الْمَعْمُولِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي بَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَالنِّيَّةُ فِي هَذَا وَاسِعَةٌ لِأَنَّهَا تَخْصِيصُ الْمَذْكُورِ.
وَقَالَ فِي بَابِ الْحَدِيدِ لَوْ قَالَ عَنَيْت التِّبْرَ فَاشْتَرَى إنَاءً لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ قَالَ عَنَيْت قُمْقُمًا فَاشْتَرَى سَيْفًا أَوْ إبَرًا أَوْ سَكَاكِينَ أَوْ شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ لَمْ يَحْنَثْ وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الِاسْمَ عِنْدَهُ عَامٌّ فَإِذَا نَوَى شَيْئًا مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْعُمُومِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَاشْتَرَى دِرْعَ حَدِيدٍ أَوْ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ سَاعِدَيْنِ أَوْ بَيْضَةً أَوْ إبَرًا أَوْ مَسَالَّ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا غَيْرَ مَضْرُوبٍ أَوْ إنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْحَدِيدِ أَوْ مَسَامِيرَ وَأَقْفَالًا أَوْ كَانُونَ حَدِيدٍ يَحْنَثُ قَالَ لِأَنَّ الَّذِي يَبِيعُ السِّلَاحَ وَالْإِبَرَ وَالْمَسَالَّ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا وَاَلَّذِي يَبِيعُ مَا وَصَفْت لَك يُسَمَّى حَدَّادًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اشْتَرَى بَابَ حَدِيدٍ أَوْ كَانُونَ حَدِيدٍ أَوْ إنَاءَ حَدِيدٍ مَكْسُورٍ أَوْ نَصْلَ سَيْفٍ مَكْسُورٍ حَنِثَ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْحَقِيقَةَ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَدِيدٌ فَتَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْعُرْفَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَدِيدًا فِي الْعُرْفِ حَتَّى لَا يُسَمَّى بَائِعُهُ حَدَّادًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُفْرًا فَاشْتَرَى طَشْتَ صُفْرٍ أَوْ كُوزًا أَوْ تَوْرًا حَنِثَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ بَائِعَ ذَلِكَ يُسَمَّى صَفَّارًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ اشْتَرَى فُلُوسًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صُفْرًا فِي كَلَامِ النَّاسِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ لَمْ يَحْنَثْ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَيْئًا فَاشْتَرَى غَيْرَهُ وَدَخَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ دَخَلَ مَقْصُودًا يَحْنَثْ وَالصُّوفُ هاهنا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الصُّوفَ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِلشَّاةِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي آجُرًّا أَوْ خَشَبًا أَوْ قَصَبًا فَاشْتَرَى دَارًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَمَرَ نَخْلٍ فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ مُثْمِرَةٌ وَشَرَطَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ يَحْنَثْ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ دَخَلْت فِي الْعَقْدِ مَقْصُودَةً لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقْلًا فَاشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بَقْلٌ وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَقْلَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِدُخُولِ الْبَقْلِ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى شَاةً حَيَّةً لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ لَحْمَهَا لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ الْحَيَّةِ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ زَيْتًا فَاشْتَرَى زَيْتُونًا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الزَّيْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ؟ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي قَصَبًا وَلَا خُوصًا فَاشْتَرَى بُورِيًّا أَوْ زِنْبِيلًا مِنْ خُوصٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي جَدْيًا فَاشْتَرَى شَاةً حَامِلًا بِجَدْيٍ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا فَاشْتَرَى شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مَمْلُوكًا صَغِيرًا فَاشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دَقِيقًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً وَقَالُوا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِعْلٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي عَيْنَيْنِ لَمْ تَتْبَعْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى.
فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَهُوَ عَقْدٌ وَبَعْضُ الْعَيْنِ مَقْصُودَةٌ بِالْعَقْدِ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَقَدْ كَانَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي صُوفًا فَاشْتَرَى شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ يَحْنَثُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَبَنًا فَاشْتَرَى شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْنَثْ.
وَقَالَ لِأَنَّ الصُّوفَ ظَاهِرٌ فَتَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ.
(وَأَمَّا) اللَّبَنُ فَبَاطِنٌ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ ثُمَّ رَجَعَ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهُوَ عَلَى دُهْنٍ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ يَدَّهِنُوا بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَدَّهِنُوا بِهِ مِثْلَ الزَّيْتِ وَالْبَزْرِ وَدُهْنِ الْأَكَارِعِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدُّهْنَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُدْهَنُ بِهِ وَالْإِيمَان مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَدْهَانِ الطَّيِّبَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدَّهِنُ بِدُهْنٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَادَّهَنَ بِزَيْتٍ حَنِثَ وَإِنْ ادَّهَنَ بِسَمْنٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الزَّيْتَ لَوْ طُبِخَ بِالطِّيبِ صَارَ دُهْنًا فَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْأَدْهَانِ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُجْرِهِ مَجْرَاهَا مِنْ وَجْهٍ حَنِثَ قَالَ فِي الشِّرَاءِ لَا يَحْنَثُ وَفِي الْأَدْهَانِ يَحْنَثُ.
فَأَمَّا السَّمْنُ فَإِنَّهُ لَا يُدَّهَنُ بِهِ بِحَالٍ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَمْ يَحْنَثْ.
وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْخِرْوَعِ وَالْبُزُورِ وَلَوْ اشْتَرَى زَيْتًا مَطْبُوخًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ حِينَ حَلَفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الزَّيْتَ مَطْبُوخٌ بِالنَّارِ وَالزِّئْبَقُ دُهْنٌ يُدَّهَنُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَدْهَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ حِنَّاءً أَوْ حَلَفَ لَا يَشُمُّهُمَا فَهُوَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرَقِ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَنَّهُ عَلَى الدُّهْنِ دُونَ الْوَرَقِ وَهَذَا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا الْبَنَفْسَجَ أَرَادُوا بِهِ الدُّهْنَ.
فَأَمَّا فِي غَيْرِ عُرْفِ الْكُوفَةِ فَالِاسْمُ عَلَى الْوَرَقِ فَتُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَالْكَرْخِيُّ حَمَلَهُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْحِنَّاءُ وَالْوَرْدُ فَهُوَ عَلَى الْوَرَقِ دُونَ الدُّهْنِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدُّهْنَ فَيَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ اسْمَ الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الْوَرَقُ لَا الدُّهْنُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْبَنَفْسَجَ عَلَى الدُّهْنِ وَالْوَرْدَ عَلَى وَرَقِ الْوَرْدِ وَجَعَلَ فِي الْأَصْلِ الْخَيْرِيَّ مِثْلَ الْوَرْدِ وَالْحِنَّاءِ فَحَمَلَهُ عَلَى الْوَرَقِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَزْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بَزْرٌ حَنِثَ وَإِنْ اشْتَرَى حَبًّا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْبَزْرِ يَقَعُ عَلَى الدُّهْنِ لَا عَلَى الْحَبِّ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ إنَّ فِعْلَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حُقُوقٌ أَوْ لَا حُقُوقَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ حُقُوقٌ.
فَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْفَاعِلِ أَوْ إلَى الْآمِرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهُ حُقُوقٌ تَرْجِعُ إلَى الْفَاعِلِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ حُقُوقَ هَذِهِ الْعُقُودِ إذَا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى فَاعِلِهَا لَا إلَى الْآمِرِ بِهَا كَانَتْ الْعُقُودُ مُضَافَةً إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْآمِرِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الْعَاقِدُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِعْلُهُ وَإِنَّمَا لِلْآمِرِ حُكْمُ الْعَقْدِ شَرْعًا لَا لِفِعْلِهِ.
وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَقَعُ الْحُكْمُ لَهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْعُقُودَ بِنَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عَمَّا يُوجَدُ مِنْهُ عَادَةً وَهُوَ الْآمِرُ بِذَلِكَ لَا الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْحَالِفَ قَالُوا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُقُوقَ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ وَأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً لَا الْآمِرُ وَإِنْ كَانَتْ حُقُوقُهُ رَاجِعَةً إلَى الْآمِرِ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا حُقُوقَ لَهُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالِاقْتِضَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْحُقُوقِ وَالْخُصُومَةِ وَالشَّرِكَةِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ رَجُلًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَعَقَدَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ وَالذَّبْحِ وَالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا فَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ حَنِثَ لِأَنَّ مَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَوْ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْآمِرِ لَا إلَى الْفَاعِلِ يُضَافُ إلَى الْآمِرِ لَا إلَى الْفَاعِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَقُولُ تَزَوَّجْت وَإِنَّمَا يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانًا وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَقُولُ طَلَّقْت امْرَأَةَ فُلَانٍ فَكَانَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ مُضَافًا إلَى الْآمِرِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الصُّلْحِ.
رَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَالِحُ فَوَكَّلَ بِالصُّلْحِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ الصُّلْحَ إسْقَاطُ حَقٍّ كَالْإِبْرَاءِ فَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ فِيمَا لَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْفَاعِلِ بَلْ إلَى الْآمِرِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ نَوَيْت أَنْ أَلِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِي يُدَيَّنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ جُعِلَتْ مُضَافَةً إلَى الْآمِرِ لِرُجُوعِ حُقُوقِهَا إلَيْهِ لَا إلَى الْفَاعِلِ وَقَدْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى الْمُحْتَمَلَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ.
وَلَوْ قَالَ فِيمَا لَا حُقُوقَ لَهُ مِنْ الضَّرْبِ وَالذَّبْحِ عَنَيْت أَنْ أَلِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِي يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ الضَّرْبَ وَالذَّبْحَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحَقِيقِيَّةِ وَأَنَّهُ بِحَقِيقَتِهِ وُجِدَ مِنْ الْمُبَاشِرِ وَلَيْسَ بِتَصَرُّفٍ حُكِيَ فِيهِ لِتَغْيِيرِ وُقُوعِهِ حُكْمًا لِغَيْرِ الْمُبَاشِرِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ فِيهِ لِلْمُبَاشَرَةِ فَإِذَا نَوَى بِهِ أَنْ يَلِيَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لِفُلَانٍ شَيْئًا أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُعِيرُهُ أَوْ لَا يُنْحِلُ لَهُ أَوْ لَا يُعْطِيهِ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ نَحَلَهُ أَوْ أَعْطَاهُ فَلَمْ يَقْبَلْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَحْنَثُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ وَالْفَرْقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْقَرْضُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْنَثُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَرْضَ لَا تَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَى تَسْمِيَةِ عِوَضٍ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْقَرْضَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بَعُوضٍ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَقْرِضُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَاسْتَقْرَضَهُ فَلَمْ يُقْرِضْهُ أَنَّهُ حَانِثٌ فَرْقٌ بَيْنَ الْقَرْضِ وَبَيْنَ الِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ لَيْسَ بِقَرْضٍ بَلْ هُوَ طَلَبُ الْقَرْضِ كَالسَّوْمِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَهُوَ مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْعِوَضِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَاهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا وَلِانْعِدَامِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ وَلَوْ بَاعَ بَيْعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَحَنِثَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ الثَّابِتِ يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى بَيْعًا فِي الْعُرْفِ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَقِفُ عَلَى أَمْرٍ زَائِدٍ وَهُوَ الْإِجَازَةُ أَوْ عَلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَأَشْبَهَ الْإِيجَابَ بِدُونِ الْقَبُولِ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِيمَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ الثَّلَاثُ وَوَجَبَ الْبَيْعُ يَعْتِقُ وَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ عِنْدَهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْخِيَارُ فَلَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِنَفْسِ الْقَبُولِ بَلْ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَالْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ ذَلِكَ يَعْتِقُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَأَصَّلَ فِيهِ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ أَوْ تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ يَحْنَثُ بِهِ وَمَا لَا فَلَا هَذَا إذَا حَلَفَ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عَتَاقِ عَبْدِهِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ.
فَأَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى أَوْ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يُنْظَرُ إنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً جَائِزًا بَاتًّا عَتَقَ بِلَا شَكٍّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِالْخِيَارِ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَصِيرُ كَالْمُتَكَلَّمِ بِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ يَعْتِقُ لِأَنَّ إقْدَامه عَلَى الْإِعْتَاقِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْخِيَارِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ فِيهِ بِالْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يُجِزْ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِجَازَةِ لَا بِالْعَقْدِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ هَذَا كُلُّهُ إنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً صَحِيحًا فَإِنْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَمَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً أَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ لَا يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا عَقِيبَ الْعَقْدِ هَذَا إذَا كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَيْعِ فَقَالَ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا جَائِزًا أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ فَيَعْتِقُ وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا عَنْهُ بِأَمَانَةٍ أَوْ بِرَهْنٍ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يَعْتِقْ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ بِالْفَاسِدِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمِلْكُ وَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَا يَصُومُ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ صَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ صَامَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ إنْ كُنْت صَلَّيْت أَوْ صُمْت أَوْ تَزَوَّجْت فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ.
لِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْحِلُّ وَالتَّقَرُّبُ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ وَالِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الصَّحِيحَ دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الْمَعْنَوِيُّ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ سَجْدَةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ لِأَنَّهُ كَمَا شَرَعَ فِيهِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُصَلِّي فَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَشَرَعَ فِيهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الصَّوْمِ أَنَّ الْحَالِفَ جَعَلَ شَرْطَ جِنْسه فِعْلَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِعِبَادَةٍ مُتَرَكِّبَة مِنْ أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُتَرَكِّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَقَعُ اسْمُ كُلِّهِ عَلَى بَعْضِهِ كَالسَّكَنْجَبِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ لَا يُوجَدُ فِعْلُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ بِصَوْمِ سَاعَةٍ يَحْصُلُ فِعْلُ صَوْمٍ كَامِلٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِعِبَادَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَّفِقَةٍ وَهِيَ الْإِمْسَاكَاتُ وَمَا هَذَا حَالُهُ فَاسْمُ كُلِّهِ يَنْطَلِقُ عَلَى بَعْضِهِ حَقِيقَةً كَاسْمِ الْمَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ يَنْطَلِقُ عَلَى قَطْرَةٍ مِنْهُ وَقَطْرَةٌ مِنْ خَلٍّ مِنْ جُمْلَةِ دَنٍّ مِنْ خَلٍّ أَنَّهُ يُسَمَّى خَلًّا حَقِيقَةً فَإِذَا صَامَ سَاعَةً فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ فِعْلُ الصَّوْمِ الَّذِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ فَيَحْنَثُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلَّى صَلَاةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصَّلَاةَ فَقَدْ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ مَا هُوَ صَلَاةٌ شَرْعًا وَأَقَلُّ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ثَمَّةَ شَرْطُ الْحِنْثِ هُنَاكَ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَفِعْلُ الصَّلَاةِ يُوجَدُ بِوُجُودِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَمَا يُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَمَامِ مَا يَصِيرُ عِبَادَةً مَعْهُودَةً مُعْتَبَرَةً شَرْعًا تَكْرَارٌ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَلَا تَقِفُ تَسْمِيَةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ عَلَى وُجُودِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاةَ} وَأَرَادَ بِهِ الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ ثُمَّ قَالَ: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك} وَأَرَادَ بِهِ رَكْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ لَا يُصَلُّونَ إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ يَوْمًا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا تَامًّا لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ صَوْمًا مُقَدَّرًا بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْيَوْمِ ظَرْفًا لَهُ وَلَا يَكُونُ كُلُّ الْيَوْمِ ظَرْفًا لَهُ إلَّا بِاسْتِيعَابِ الصَّوْمِ جَمِيعَ الْيَوْمِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَصْدَرَ وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ اسْمٌ لِعِبَادَةٍ مُقَدَّرَةٍ بِالْيَوْمِ شَرْعًا فَيُصْرَفُ إلَى الْمَعْهُودِ الْمُعْتَبَرِ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَصُومُ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِعْلَ الصَّوْمِ شَرْطًا وَبِصَوْمِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وُجِدَ فِعْلُ الصَّوْمِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَتَشَهَّدَ بَعْدَ الْأَرْبَعِ لِأَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَمَا لَمْ تُوجَدْ الْأَرْبَعُ لَا تُوجَدُ الظُّهْرُ فَلَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَدْرَكَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ فَأَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَدَخَلَ مَعَهُ حَنِثَ لِأَنَّ إدْرَاك الشَّيْءِ لُحُوقُ آخِرِهِ يُقَالُ أَدْرَكَ فُلَانٌ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرَادُ بِهِ لُحُوقَ آخِرِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ انْتَهَى يَوْمًا إلَى الْإِمَامِ فَأَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَدْرَكْنَا مَعَهُ الصَّلَاةَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَصَلَّاهَا مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ هُوَ الثَّانِيَةَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلْكُلِّ وَهُوَ مَا صَلَّى الْكُلَّ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ أَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ فَجَاءَ وَقَدْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَاتَّبَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مُقَارِنًا لِلْإِمَامِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ هاهنا لَا يُرَادُ بِهَا حَقِيقَةُ الْقُرْآنِ بَلْ كَوْنُهُ تَابِعًا لَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَفْعَالَهُ وَانْتِقَالَهُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ لَوْ حَصَلَ عَلَى التَّعَاقُبِ دُونَ الْمُقَارَنَةِ عُرِفَ مُصَلِّيًا مَعَهُ كَذَا هاهنا وَقَدْ وُجِدَ لِبَقَائِهِ مُقْتَدِيًا بِهِ تَابِعًا لَهُ وَلَوْ نَوَى حَقِيقَةَ الْمُقَارَنَةِ صَدَقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ حَجَّةً أَوْ قَالَ لَا أَحُجُّ وَلَمْ يَقُلْ حَجَّةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَطُوفَ أَكْثَرَ طَوَافِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ حَجَّةً اسْمٌ لِعِبَادَةٍ رُكِّبَتْ مِنْ أَجْنَاسِ أَفْعَالٍ كَالصَّلَاةِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ كُلُّ الطَّوَافِ أَوْ أَكْثَرُهُ لَا يُوجَدُ الْحَجُّ فَإِنْ جَامَعَ فِيهَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ فَيَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ فَأَحْرَمَ وَطَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ حَنِثَ لِأَنَّ رُكْنَ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.
قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بَعْدَ امْرَأَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً ثُمَّ ثِنْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَى الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ امْرَأَةٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فَكَانَ لَهُ التَّعْيِينُ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَهُمَا طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ امْرَأَةٍ وَالْأُولَيَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَكَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ لِلشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ صَبِيَّةً طَلُقَتْ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِهَذِهِ الْيَمِينِ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ النِّكَاحِ فَيَتَنَاوَلُ الْبَالِغَةَ وَالصَّبِيَّةَ فَصَارَ قَوْلُهُ امْرَأَةً كَقَوْلِهِ أُنْثَى قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ إنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ فَإِنَّهُ تَطْلُقُ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ فَوَقَعَ عَلَى ثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ بِاثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثَةٌ وَلَيْسَ أَحَدَاهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُزَوِّجُ ابْنَتِي الصَّغِيرَةَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ قَالَ هُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْمُجِيزِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنًا لَهُ كَبِيرًا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ فَأَجَازَ أَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ وَأَجَازَ الْأَبُ وَرَضِيَ الِابْنُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَمَّا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْعَاقِدِ تَعَلَّقَتْ بِالْمُجِيزِ فَنُسِبَ الْعَقْدُ إلَيْهِ.
هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا لَا يُزَوِّجُ بِنْتًا لَهُ صَغِيرَةً فَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ غَرِيبٌ وَالْأَبُ حَاضِرٌ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ حِينَ زُوِّجَتْ إلَّا أَنَّهُ سَاكِتٌ حَتَّى قَالَ الَّذِي زَوَّجَ لِلَّذِي خَطَبَ قَدْ زَوَّجْتُكهَا.
وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْت وَالْأَبُ سَاكِتٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا وَقَعَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ قَدْ أَجَزْت النِّكَاحَ فَزَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الَّذِي زَوَّجَ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ هُوَ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمَتِهِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى التَّزْوِيجِ وَالْإِجَازَةُ تُسَمَّى نِكَاحًا وَتَزْوِيجًا فَقَدْ فَعَلَ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الِاسْمُ فَلَا يَحْنَثُ.
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا زَوَّجَهُ وَلِيُّهَا ثُمَّ حَلَفَ الْمُتَزَوِّجُ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا ثُمَّ بَلَغَهَا فَرَضِيَتْ بِالنِّكَاحِ أَوْ كَانَ رَجُلٌ زَوَّجَهَا مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ حَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا ثُمَّ بَلَغَهُ النِّكَاحُ فَأَجَازَ لَمْ يَحْنَثْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّمَا أَجَازَ نِكَاحًا قَبْلَ يَمِينِهِ أَوْ أَجَازَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ بِالْكُوفَةِ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا إيَّاهُ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ بِبَغْدَادَ كَانَ حَانِثًا وَإِنَّمَا أَجَازَ السَّاعَةَ بِإِجَازَتِهَا النِّكَاحَ الَّذِي كَانَ بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَامِعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَعِنْدَ انْضِمَامِ الْإِجَازَةِ إلَيْهِمَا كَانَ النِّكَاحُ حَاصِلًا بِالْكُوفَةِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَصَارَ مَعْتُوهًا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهُ قَالَ هُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ تَرْجِعُ إلَى الْمَعْقُودِ لَهُ فَكَانَ هُوَ الْمُتَزَوِّجَ فَحَنِثَ قَالَ الْمُعَلَّى سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ امْرَأَةٍ حَلَفَتْ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا مِنْ فُلَانٍ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهَا فَهِيَ حَانِثَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ فَرَضِيَتْ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا جَازَ بِرِضَاهَا وَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهَا عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَرَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ أَنَّهُ إنْ سَكَتَ كَانَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ السُّكُوت إذْنٌ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ إذْنٌ مِنْهُ لَهُ بِالنُّطْقِ.
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطُ حَقِّهِ عَنْ الْمَنْعِ مِنْ تَصَرُّفِ الْعَبْدِ ثُمَّ الْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ بِمَالِكِيَّةِ نَفْسِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ فَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ لِفُلَانٍ شُفْعَةً فَبَلَغَهُ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا هُوَ شَفِيعُهَا فَسَكَتَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّاكِتَ لَيْسَ بِمُسَلِّمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْقِطٌ حَقَّهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الطَّلَبِ.
قَالَ عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ فَتَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى يَحْنَثُ.
وَلَوْ حَلَفَ الْأَبُ لَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ فَزَوَّجَهَا عَمُّهَا وَأَجَازَ الْأَبُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى بِالْيَمِينِ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ حُقُوقُ النِّكَاحِ وَقَدْ عَلَّقَ بِالْإِجَازَةِ وَغَرَضَ الْأَبِ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَا يُسَمَّى نِكَاحًا وَالْإِجَازَةُ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ.
وَقَالَ عَلِيٌّ وَبِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ حَلَفَ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ فُلَانٍ حَقَّهُ شَهْرًا وَسَكَتَ عَنْ تَقَاضِيهِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ هُوَ التَّأْجِيلُ وَتَرْكُ التَّقَاضِي لَيْسَ بِتَأْجِيلٍ قَالَ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً حَلَفَتْ لَا تَأْذَنُ فِي تَزْوِيجِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ فَإِنَّهَا لَا تَحْنَثُ وَالنِّكَاحُ لَهَا لَازِمٌ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْإِذْنِ بِالسُّنَّةِ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ إلَّا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِخَمْسَةٍ وَدِينَارٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ بَيْعٍ وَاسْتَثْنَى بَيْعَهُ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ وَبِغَيْرِهَا وَالْعَشَرَةُ مُسْتَثْنَى.
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ حَتَّى تَزِيدَنِي فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ وَبِالْقِيَاسِ آخُذُ (وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ وَمَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ بَلْ بِتِسْعَةٍ (وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْعُرْفِ أَنْ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِالْأَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةٍ وَقَدْ بَاعَهُ لَا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَيَحْنَثُ.
وَقَالَ الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ قَالَ إنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ حَانِثٌ.
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا أَبِيعُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ بَيْعٍ وَاسْتَثْنَى بَيْعًا وَاحِدًا وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ ثَمَنُهُ عَلَى عَشَرَةٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ أَيْ لَا أَبِيعُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْعَشَرَةِ لِيَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَا بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ فَيَحْنَثَ وَلَوْ قَالَ حَتَّى ازْدَادَ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ حَنِثَ وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى بَيْعٍ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِعَشَرَةٍ فَإِذَا بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَمْ يُوجَدْ الْبَيْعُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ اشْتَرَاهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَاشْتَرَاهُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِينَارًا حَنِثَ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ زِيَادَةٌ.
وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ آخِرُ عَبْدٍ أَوْ أَوْسَطُ عَبْدٍ فَالْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْآخِرُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالْأَوْسَطُ اسْمٌ لِفَرْدٍ اكْتَنَفَتْهُ حَاشِيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا وَاحِدًا بَعْدَ يَمِينِهِ عَتَقَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ لِكَوْنِهِ فَرْدًا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ غَيْرُهُ فِي الشِّرَاءِ فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ لَا غَيْرُ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَا يُسَمَّى عَبْدًا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَثَوْبًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَوَّلُ كُرٍّ أَشْتَرِيهِ صَدَقَةٌ فَاشْتَرَى كُرًّا وَنِصْفًا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْكُرَّ لَيْسَ بِأَوَّلٍ بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ عَزَلْنَا كُرًّا فَالنِّصْفُ الْبَاقِي مَعَ نِصْفِ الْمَعْزُولِ يُسَمَّى كُرًّا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا أَوَّلَ كُرٍّ اشْتَرَاهُ فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَى بَعْدَهُمَا أَيْضًا لِانْعِدَامِ مَعْنَى الِانْفِرَادِ فِيهِمَا وَلِانْعِدَامِ مَعْنَى السَّبْقِ فِيمَا بَعْدَهُمَا وَلَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا وَاحِدًا بَعْدَ غَيْرِهِ أَوْ يَمُوتَ الْمَوْلَى لِأَنَّ عِنْدَهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ آخِرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ مَا دَامَ حَيًّا وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ عِتْقِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ حَتَّى يَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَيَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَسَنَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَلَوْ قَالَ أَوْسَطُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَكُلُّ فَرْدٍ لَهُ حَاشِيَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِيمَا قِبَلَهُ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَهُوَ أَوْسَطُ وَلَا يَكُونُ الْأَوَّلُ وَلَا الْآخِرُ وَسَطًا أَبَدًا وَلَا يَكُونُ الْوَسَطُ إلَّا فِي وِتْرٍ وَلَا يَكُونُ فِي شَفْعٍ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَالثَّانِي هُوَ الْأَوْسَطُ فَإِنْ اشْتَرَى رَابِعًا خَرَجَ الثَّانِي مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ فَإِنْ اشْتَرَى خَامِسًا صَارَ الثَّالِثُ هُوَ الْأَوْسَطَ فَإِنْ اشْتَرَى سَادِسًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ وَعَلَى هَذَا كُلَّمَا صَارَ الْعَدَدُ شَفْعًا فَلَا وَسَطَ لَهُ وَكُلُّ مَنْ حَصَلَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَسَطًا.